تاريخ النشر : 2008-04-14
القراءة : 21370
غزة-دنيا الوطنصدرت كتب مذكرات كثيرة عن حرب العراق: مذكرات جنرالات (مثل الجنرال تومي فرانكز، قائد الغزو). ومذكرات مدنيين (مثل بول بريمر، حاكم العراق بعد الغزو). ومذكرات صحافيين (مثل جاكي سبنسر، مراسلة صحيفة «واشنطن بوست»).لكن، أخيرا، صدرت مذكرات جندي اميركي اشترك، حقيقة، في الحرب، هو ديفيد بلافيا، قائد فصيل اشترك في الهجوم على مدينة الفلوجة. إنه جندي عادي لم يندم على ما فعل (قتل العراقيين). وقال انه مستعد ليعود مرة ثانية الى العراق ليفعل نفس الشيء «في سبيل اميركا». يقول: «انا جندي محترف. بندقيتي مستعدة للضرب، وأسناني مستعدة للعض، ولساني مستعد للشتم. احب اميركا، وأحب الجنود معي. وأكره الصحافيين الليبراليين الذين يعارضون هذه الحرب».هنا مقتطفات من أحداث يوم 11-11-2004 في الفلوجة:«... عند الفجر، صعدت الى سطح «الامو» (اشارة الى قلعة مكسيكية خلال الحرب الاميركية المكسيكية سنة 1863، استولى عليها الاميركيون)، لاستكشف المنطقة. رأيت منازل قريبة يسيطر عليها الاعداء. وضعوا تحصينات، واكياس رمل فوق سطوحها. اعتقد انهم لم يكونوا يعرفون اننا، خلال الليل، استولينا على المنزل. تحدثت مع «جو»، الذي كان يحرس السطوح خلال الليل، وقلت له: «صوب تصويبا دقيقا، واطمئن، قبل ان تطلق الرصاص». قال: «سمعا وطاعة يا عريف».لم يخب املنا. بعد فترة، رأينا شخصا يمشي نحونا. يلبس ملابس طويلة وكثيفة، وكأنه شبح يتحرك في الظلام. كان يردد بصوت عال: «الله، الله، الله». في الحقيقة، سمعنا صوته، في صمت الفجر، قبل ان نراه. شعرت بقشعريرة في كل جسمي. وأحسست بشيء مثل تيار كهربائي داخل عمودي الفقري، من رأسي الى قدمي. اصبت برعب. هذا صوت عال، وفيه تصميم. هذا صوت «مؤمن». عندما اقترب، شاهدناه، مع ضوء الفجر، يحمل بندقية «آر بي جي»، وشريطاً من الرصاص يتدلى من على كتفيه. كان مثل «رامبو». وقف في منتصف الشارع، وأشار بإصبعه نحونا، وكأنه يأمرنا بقتله.لم نصدق ما شاهدنا. لم يفكر حتى في ان يحتمي بحائط، او شجرة، ناهيك عن ان يحفر خندقا خلال الليل. احتمينا نحن، لأنه كان يؤشر، وهو يصوب بندقيته، نحونا. كان يحملها، ولا يحس بثقلها، وكأنه يحمل عصا صغيرة.لماذا يفعل هذا؟«... حتى الآن، كنت أحس بالاحتقار نحو اعدائنا. وعندما شاهدت هذا الرجل، احسست بأني احترمه. محارب، يعرف ان قضيته تحتاج الى تضحية، وانه مستعد لأن يضحي، ليس فقط بوقته، وليس فقط بماله، ولكن، اهم من ذلك كله، بحياته.نحن، ايضا، مثله.لهذا، يجب ان نقتله.كان قد وصل الى مسافة مائة متر. خفت صوته، لكنه لا يزال يردد: «الله، الله، الله». لم نشاهد اي دليل على اي خوف. دربونا، في حرب الاحراش والشوارع، على ان ننتظر العدو في حذر. واذا لم نكن متأكدين من مكانه، نطلق رصاصات عشوائية، ليتحرك العدو، ونعرف مكانه. نسمي ذلك «استكشاف بالرصاص». ويبدو ان الأعداء يستعملون نفس التكتيك. لم يعرفوا اي منزل احتللنا خلال الليل. لهذا، ارسلوا هذا الانتحاري يمشي في الشارع، لنقتله، ويعرف الاعداء اننا نحتل هذا المنزل. ثم يهجمون علينا.لكن، أليست هذه طريقة غريبة في التكتيك العسكري؟ كيف يجعلون من رجل «طعمة» لاختبارنا؟ كيف يريدون منه ان يموت مثل كبش فداء. فكرت في ذلك، وأحسست بخوف اكثر.قلت لنفسي: «هؤلاء ليسوا هواة». وقف الرجل امامنا يردد دعاء. أود لو عرفت ماذا يقول ... قلت لنفسي: «كفاية». والتفت نحو «جو» آمراً: «اعط هذا الرجل ما يريد. اقتله». واسرع «جو»، القناص المحترف، وقبل مرور ثانية واحدة، ومع صوت عال يصم الآذان، شاهدت طلقات الرصاص تخرق الاسفلت امام الرجل. ربما يريد «جو» ان يعطيه فرصة اخيرة، ليهرب، او يلقي مدفعه. لكن الرجل صاح في احتجاج. لا اعرف ماذا قال. هل غضب على «جو» لأنه لم يقتله سريعا؟ هل تهكم من قوتنا؟لا اعرف. لكني أعرف انه كان غاضبا. من ماذا؟ منا؟ من نفسه؟ ومرة اخرى، شعرت بقشعريرة في عمودي الفقري، مثل تيار كهربائي، من رأسي الى قدمي. وفي غضبة، بدأ الرجل يطلق الرصاص على «جو»، الذي عاجله بوابل رصاص، قطع رجليه، وشاهدت عظام رجليه. إنها بيضاء، ناصعة البياض.وقع على الارض وهو يصرخ في ألم. لكنه لم يتوقف عن اطلاق الرصاص نحو «جو». احاطت به بركة من الدم، لكنه لم يتوقف. وللمرة الثالثة، اطلق عليه «جو» وابلا من الرصاص. هذه المرة، في صدره. في هذه اللحظة، صعد الى سطح المنزل «جاميسون»، واشترك في القضاء على الرجل. ثم صعد «ستيفن»، وانضم الى الاثنين. صار الشارع بحيرة من دم، وتناثرت فيه اجزاء الرجل، لكن، ظلت يده اليمنى تمسك بالبندقية. وظل جنودي الاربعة يطلقون الرصاص. غضبت، وصرخت فيهم: «توقفوا! توقفوا!» لم يفهموا غضبي، لكنهم، على اي حال، اوقفوا اطلاق الرصاص. وعم المكان هدوء هو خليط بين انتصار وهزيمة. لا اعرف هل انتصرنا عليه، ام انتصر هو علينا. لكن، لم يدم الهدوء طويلا. انطلقت نحونا سيول من الرصاص من المنازل المجاورة... تأكد لي ما اعتقدت: وهو ان الاعداء ارسلوا الرجل «كبش فداء» ليكتشفوا المنزل الذي سيطرنا عليه في الليلة الماضية.وبدأت الحرب الحقيقيةقضينا اليوم كله نستهدفهم، وهم يستهدفوننا. قتلنا اعداء، ونسفنا منازل، وساعدتنا دبابات وطائرات. دمرت دبابات «برادلي» كل منزل يصوب منه الاعداء نحونا. ومرة حاصروا دبابة، وتابعوها وهي تتراجع. اعتقدوا انها اصيبت بعطل، وانهم قادرون على الاستيلاء عليها. في الحقيقة، كانت الدبابة تقترب منا، قليلا قليلا. وعندما اقتربت، وجدنا فرصة لنضرب سبعة منهم (ربما كانوا يريدون التسلق فوق سطح الدبابة). قتلنا بعضهم، وهرب البقية. استمر القتال طويلا. لاحظت دبابة مجموعة من الاعداء وصوبت نحوهم صاروخ «تاو» المضاد للدبابات. هذا صاروخ يوجه بإشارات لاسلكية، ويستعمل في حرب الدبابات. لكننا، في مدن العراق، استعملناه ضد الأشخاص الأعداء. إنه ينسفهم نسفا.وأصاب «رويز»، الذي كان يقف الى جانبي واحدا كان يرتدي نعلا مفتوحا. لم يساعده النعل على الهروب، وقضى عليه «رويز». وهتفنا كلنا، وشتمناه، وهو يموت امامنا...كان معنا مايكل وير، مراسل تلفزيون «سي ان ان»، الذي كان يغطي غزو الفلوجة. وكان هناك «ابرناتي»، وهو جندي طبيب، و«برات»، الذي كان من اشجع جنودي، لكن اصابته رصاصة في عضوه التناسلي.صور مراسل «سي ان ان» الحادث، بدون تفاصيل، وبدون تصوير وجه «برات». طلبت طائرة هليكوبتر طبية لنقله الى المستشفى العسكري. سألوني: «لماذا؟» قلت «أصيب اصابة خطيرة». قالوا: «اين». قلت: «في مكان حساس». قالوا: «القانون يقول اننا ننقل الجندي بطائرة هليكوبتر طبية في ثلاث حالات: قتل، او عمى او اصابة خطيرة. مكان حساس ليس اصابة خطيرة.لحسن الحظ، كان هناك «ابرناتي» الذي ضمد جراح «برات»، في انتظار الاسعاف الطبي. حكى لنا مراسل «سي ان ان» عن الاعداء. سماهم «مجاهدين». وسميناهم نحن «موج» (اختصار للاسم). شرح لنا بأنهم محترفون، وانهم من السنة، ومن خارج العراق. وقال: «جاءوا الى هنا ليموتوا. بالنسبة لهم، هذا هو الجهاد الحقيقي». واضاف: «يعرفون انهم لن ينتصروا عليكم. لكنهم يريدون قتلكم واحدا، واحدا. قتل واحد منكم لن يضعف الجيش الاميركي، لكنه، بالنسبة لهم النصر، وكل النصر».انا، بصراحة، لا احب الصحافيين. وكنت اقول انهم مثل العاهرات، يكذبون، ويقولون اي شيء ليترقوا، او حتى لا يفصلوا. لكن «وير» قال لنا اشياء ما كنا نعرفها. انه يعرف اكثر مما تعرف استخباراتنا...»استمرت المعركة حتى غابت الشمس. وصلتنا اخبار قتل راموند سيفين، قائد فرقتنا العسكرية في جبهة اخرى في الفلوجة. ثم اخبار قتل الضابط فولكنبيرغ. هذا هو قائدنا الاعلى في المنطقة. حزنا. لكن، لم يزدنا حزننا غير تصميم على النصر. وعلى قتل كل «موج» نشاهده ونحن في سطوح المنزل.انا، على اقل تقدير، قتلت واحدا. رأيته امامي مباشرة على سطح منزل مجاور: صرخت: «يا ابن الكلب.. أنا الموت الذي يدمر العالم». خلال الليل، صعدوا الى سطح المنزل بسلم من الخارج. ثم نزلوا الى الطابق الاعلى. ومع تبادل رصاص عنيف بالبنادق الاتوماتيكية، اضطررنا لأن ننزل الى الطابق الاسفل. حتى نخطط للخطوة الثانية. نحن نريد ان نخرج من المنزل، لكننا، قبل ذلك، لا بد ان نؤمن خروجنا وسلامتنا.حسب تدريباتنا العسكرية، كان يجب ان اطلب قصفا جويا يدمر الاعداء. لكن، لن يقضي القصف على الاعداء من دون اصابتنا. ولا اقدر على ان اطلب قصفا بدبابة قريبة. ولا بدبابة بعيدة المدى.هذا الهجوم على «منزلنا» لابد ان يكون مخططا له. ولابد ان العدو درس قوتنا وضعفنا قبل ان يفاجئنا. يمنعنا الوضع الذي نحن فيه الآن من استعمال قوتنا العملاقة. لهذا، ليس امامنا سوى ان نواجههم بما نحمل من بنادق «ام 16»، وبما يحملون من بنادق «اي كي 47».بينما «فيت» يتألم، قال «ميسا» انه سيقذف قنبلة الى الطابق الاعلى. صرخ «فيت»: «بحق السماء لا تفعل ذلك. سيتلقفون القنبلة، ويرمونها نحونا. انت لا تعرف اين هم. ربما هنا في اسفل السلم». ونصح «هول» كلا من «وير» و«يوري» بالابتعاد عن السلم. وصاح الطبيب «ابرناثي»: هل اصيب احد؟في هذه اللحظة، اطلق الاعداء رصاصات نحونا بالقرب من السلم. لم تصبنا، لكن اصابنا وهجها، وأضاءت المكان، وهي تنعكس، مثل شرارات طائرة، من حائط الى حائط. نظرت الى اعلى السلم، وبندقيتي في يدي، ورأيت واحدا من الاعداء، وهو يبتسم. وعكس ضوء الرصاص أسناناً بيضاء ناصعة البياض.قلت لنفسي: «عندي طبيب اسنان، وعندي تأمين صحي على اسناني، وانظف أسناني كل صباح. كيف، بحق السماء، تكون اسنان «ابن الكلب» هذا اكثر بياضا من اسناني»؟
No comments:
Post a Comment